الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
أي عليك السلام ورحمة الله.وقال الحسن وابن جريح: معنى متوفيك قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت، مثل توفيت مالي من فلان أي قبضته.وقال وهب بن منبه: توفى الله عيسى عليه السلام ثلاث ساعات من نهار ثم رفعه إلى السماء. وهذا فيه بعد، فإنه صح في الاخبار عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزوله وقتله الدجال على ما بيناه في كتاب التذكرة، وفي هذا الكتاب حسب ما تقدم، ويأتي.وقال ابن زيد: متوفيك قابضك، ومتوفيك ورافعك واحد ولم يمت بعد.وروى ابن طلحة عن ابن عباس معنى متوفيك مميتك. الربيع بن أنس: وهي وفاة نوم، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} [الأنعام: 60] أي ينيمكم لان النوم أخو الموت، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل: أفي الجنة نوم؟ قال: «لا، النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها». أخرجه الدارقطني. والصحيح أن الله تعالى رفعه إلى السماء من غير وفاة ولا نوم كما قال الحسن وابن زيد، وهو اختيار الطبري، وهو الصحيح عن ابن عباس، وقاله الضحاك. قال الضحاك: كانت القصة لما أرادوا قتل عيسى اجتمع الحواريون في غرفة وهم اثنا عشر رجلا فدخل عليهم المسيح من مشكاة الغرفة، فأخبر إبليس جمع اليهود فركب منهم أربعة آلاف رجل فأخذوا باب الغرفة. فقال المسيح للحواريين: أيكم يخرج ويقتل ويكون معي في الجنة؟ فقال رجل: أنا يا نبي الله، فألقى إليه مدرعة من صوف وعمامة من صوف وناوله عكازه وألقى عليه شبه عيسى، فخرج على اليهود فقتلوه وصلبوه. وأما المسيح فكساه الله الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فطار مع الملائكة.وذكر أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أراد الله تبارك وتعالى أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وهم اثنا عشر رجلا من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال لهم: أما إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي، ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم فقال أنا. فقال عيسى: اجلس، ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا. فقال عيسى: اجلس. ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا. فقال نعم أنت ذاك. فألقى الله عليه شبه عيسى عليه السلام. قال: ورفع الله تعالى عيسى من روزنة كانت في البيت إلى السماء. قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبيه فقتلوه ثم صلبوه، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به، فتفرقوا ثلاث فرق: قالت فرقة: كان فينا الله ما شاء ثم صعد إلى السماء، وهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه، وهؤلاء النسطورية. وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه إليه، وهؤلاء المسلمون. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتلوا، فأنزل الله تعالى: {فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الصف: 14] أي آمن آباؤهم في زمن عيسى {عَلى عَدُوِّهِمْ} بإظهار دينهم على دين الكفار {فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ}.وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الله لينزلن ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد»وعنه أيضا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «الذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما»ولا ينزل بشرع مبتدإ فينسخ به شريعتنا بل ينزل مجددا لما درس منها متبعا. كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم».وفي رواية: «فأمكم منكم». قال ابن أبي ذئب: تدري ما أمكم منكم؟.قلت: تخبرني. قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد زدنا هذا الباب بيانا في كتاب التذكرة والحمد لله. و{مُتَوَفِّيكَ} أصله متوفيك حذفت الضمة استثقالا، وهو خبر إن. {وَرافِعُكَ} عطف عليه، وكذا {مُطَهِّرُكَ} وكذا {وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ}. ويجوز {وَجاعِلُ الَّذِينَ} وهو الأصل.وقيل: إن الوقف التام عند قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}. قال النحاس: وهو قول حسن. {وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ} يا محمد {فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي بالحجة وإقامة البرهان. وقيل بالعز والغلبة.وقال الضحاك ومحمد ابن أبان: المراد الحواريون. والله تعالى أعلم.
أي اجتهد في إهلاكهم. يقال: بهله الله أي لعنه. والبهل: اللعن. والبهل الماء القليل. وأبهلته إذا خليته وإرادته. وبهلته أيضا.وحكى أبو عبيدة: بهله الله يبهله بهلة أي لعنه. قال ابن عباس: هم أهل نجران: السيد والعاقب وابن الحارث رؤساؤهم. {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ}.الثانية: هذه الآية من أعلام نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه دعاهم إلى المباهلة فأبوا منها ورضوا بالجزية بعد أن أعلمهم كبيرهم العاقب أنهم إن باهلوه اضطرم عليهم الوادي نارا فإن محمدا نبي مرسل، ولقد تعلمون أنه جاءكم بالفصل في أمر عيسى، فتركوا المباهلة وانصرفوا إلى بلادهم على أن يؤدوا في كل عام ألف حلة في صفر وألف حلة في رجب فصالحهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك بدلا من الإسلام.الثالثة: قال كثير من العلماء: إن قوله عليه السلام في الحسن والحسين لما باهل {نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ} وقوله في الحسن: «إن ابني هذا سيد» مخصوص بالحسن والحسين أن يسميا ابني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون غيرهما، لقوله عليه السلام: «كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي» ولهذا قال بعض أصحاب الشافعي فيمن أوصى لولد فلان ولم يكن له ولد لصلبه وله ولد ابن وولد ابنة: إن الوصية لولد الابن دون ولد الابنة، وهو قول الشافعي. وسيأتي لهذا مزيد بيان في الأنعام والزخرف إن شاء الله تعالى.
الفراء: ويقال في معنى العدل سوى وسوى، فإذا فتحت السين مددت وإذا كسرت أو ضممت قصرت، كقوله تعالى: {مَكاناً سُوىً} [طه: 58]. قال: وفي قراءة عبد الله {إلى كلمة عدل بيننا وبينكم} وقرأ قعنب {كلمة} بإسكان اللام، ألقى حركة اللام على الكاف، كما يقال كبد. فالمعنى أجيبوا إلى ما دعيتم إليه، وهو الكلمة العادلة المستقيمة التي ليس فيها ميل عن الحق، وقد فسرها بقوله تعالى: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} فموضع {أن} خفض على البدل من {كَلِمَةٍ}، أو رفع على إضمار مبتدإ، التقدير هي أن لا نعبد إلا الله. أو تكون مفسرة لا موضع لها، ويجوز مع ذلك في: {نَعْبُدَ} وما عطف عليه الرفع والجزم: فالجزم على أن تكون {أن} مفسرة بمعنى أي، كما قال عز وجل: {أَنِ امْشُوا} [ص: 6] وتكون {لا} جازمة. هذا مذهب سيبويه. ويجوز على هذا أن ترفع {نَعْبُدُ} وما بعده يكون خبرا. ويجوز الرفع بمعنى أنه لا نعبد، ومثله {أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً} [طه: 89].وقال الكسائي والفراء: {وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ} بالجزم على التوهم أنه ليس في أول الكلام أن.الثانية: قوله تعالى: {وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي لا نتبعه في تحليل شيء أو تحريمه إلا فيما حلله الله تعالى. وهو نظير قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] معناه أنهم أنزلوهم منزلة ربهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لما لم يحرمه الله ولم يحله الله. وهذا يدل على بطلان القول بالاستحسان المجرد الذي لا يستند إلى دليل شرعي، قال إلكيا الطبري: مثل استحسانات أبي حنيفة في التقديرات التي قدرها دون مستندات بينة. وفيه رد على الروافض الذين يقولون: يجب قبول قول الامام دون إبانة مستند شرعي، وإنه يحل ما حرمه الله من غير أن يبين مستندا من الشريعة. وأرباب جمع رب. و{دُونِ} هنا بمعنى غير.الثالثة: قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي أعرضوا عما دعوا إليه. {فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} أي متصفون بدين الإسلام منقادون لاحكامه معترفون بما لله عليه علينا في ذلك من المنن والانعام، غير متخذين أحدا ربا لا عيسى ولا عزيرا ولا الملائكة، لأنهم بشر مثلنا محدث كحدثنا، ولا نقبل من الرهبان شيئا بتحريمهم علينا ما لم يحرمه الله علينا، فنكون قد اتخذناهم أربابا.وقال عكرمة: معنى: {يَتَّخِذَ} يسجد. وقد تقدم أن السجود كان إلى زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذا لما أراد أن يسجد، كما مضى في البقرة بيانه.وروى أنس بن مالك قال: قلنا يا رسول الله، أينحني بعضنا لبعض؟ قال: «لا» قلنا: أيعانق بعضنا بعضا؟ قال: «لا ولكن تصافحوا» أخرجه ابن ماجه في سننه. وسيأتي لهذا المعنى زيادة ببان في سورة يوسف إن شاء الله، وفي الواقعة مس القرآن أو بعضه على غير طهارة إن شاء الله تعالى.
|